الأربعاء، 10 أبريل 2013

استقلال الداخلية


للكاتب عمرو خفاجي.لا أفهم الذين يطالبون بالعدالة ليل نهار، ولا يطالبون فى ذات الوقت بتطبيق أحكام هذه العدالة، وتحديدا أقصد لماذا يتناسى الجميع استقلال الجهاز القائم على تنفيذ وحماية وصيانة العدالة، لماذا الانشغال بالعناوين التى يتعارك عليها الجميع، دون الإصرار على تحقيق نتائج ما نطالب به، إن الحديث عن العدالة، كما نفهمها، حديث واجب وضرورى ومطالبات مستحقة، بل لا سبيل للإصلاح إلا عبر عدالة ناجزة، وناجزة يعنى أن تؤتى ثمارها، وثمار العدالة تطبيق أحكامها فيتحقق الردع العام عبر تحقيق الردع الخاص، وهذا الردع لا معنى له إلا باستقلال كامل وتام للجهاز القضائى المعنى بالردع وسيادة القانون، وإعمال احكامه، وأيضا لا معنى لسيادة القانون من دون أن تكون الأجهزة المعنية بتطبيقه، هى أيضا قوية ومستقلة.


نحن نتحدث منذ عامين عن  إعادة هيكلة الداخلية، وهو الأمر الذى لم يحدث لا أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولا حتى بعد انتخاب رئيس صاحب صلاحيات واسعة، وكأن الجميع لا يرى ضرورة لهذا الأمر، وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يرغب فى ذلك أو لم تكن لديه القدرة على ذلك، فربما يكون الأمر مفهوما بل ومنطقيا، لأنه ــ من وجهة نظره على الأقل ــ يملك القدرة على ممارسة الدور الأمنى إذا ما أراد، لكن ما لا نفهمه تقاعس النظام الجديد عن فعل ذلك، خاصة أنه يطالب ليل نهار بعدم تدخل القوات المسلحة فى الشأن الداخلى، فماذا يعطله عن فعل ذلك، خاصة أن الحياة بدون أجهزة أمنية عبث وأفكار صبيانية لا يجوز تداولها أو مناقشتها، فللحكم أدواته، وفى مقدمة هذه الأدوات أجهزة الأمن، طبعا وفقا للمفهوم الحقيقى فى حماية المجتمع من الأخطار ومن الانفلات، وهى وظائف معروفة ومتفق عليها ولا تحتاج إلى أية اجتهادات جديدة.

إن الحديث عن هيكلة الداخلية لا يعنى أبدا فكرة التطهير التى يتحدث عنها البعض بطريقة ضارة، فالمسألة ليست أبدا مجرد استبعاد مجموعة من كبار الضباط، أو حتى من صغارهم، والأمر أيضا لا يتوقف على محاكمة مجموعة أخرى من الضباط، فالشجاعة تقتضى أن نقول إن هذه ليست حلول، وأن ذلك لا يعنى أبدا، بعد الاستبعاد والمحاكمات، أننا سنكون أمام وزارة داخلية جديدة نتمناها، الشجاعة تقتضى أن ننحى الثارات جانبا ونبدأ على الفور فى مراحل البحث عن صياغة جديدة لعقيدة هذه الوزارة تكون حاكمة لعملها فاصلة فى تعاملاتها مع الشعب، ويجب أن يكون الجزء الأصيل من العقيدة الجديدة للداخلية، استقلالها بعيدا عن السلطة الحاكمة، فلا تلعب مع أحد، ولا تقف ضد أحد، فقط تكون معنية بتنفيذ وتطبيق القوانين وفقا للدستور الذى يتوافق عليه المجتمع فى إطار كامل من الحماية للشعب وحفظ أمنه بجميع الوسائل.

إن الحديث الدائر الآن عن أن الشرطة كانت عنيفة وشرسة فى الدفاع عن مقر الجماعة ومتراخية فى حماية جنازة الضحايا الأقباط، وسواء كان ذلك حقا وصدقا أو ضلالا وتضليلا، هو فى حد ذاته كاف لأن يكون جرس إنذار أخير يجب أن يدفعنا جميعا للعمل من أجل استقلال الداخلية بعيدا عن جميع المهاترات السياسية والحزبية، والعناية بهذا الجهاز واحترام وتقدير العاملين به والذين يؤدون مهمة صعبة وشاقة تكلفهم فى كثير من الأحيان حياتهم، لأنه من دون استقلال للشرطة لن يكون هناك استقلال للقضاء، وبدونهما، لن تكون هناك دولة، لأن مفهوم سيادة الدولة، لا يخرج كثيرا عن مفهوم سيادة القانون.

0 التعليقات:

إرسال تعليق